0
طبنة .. المدينة المدفونة..والتاريخ المنسي-الجزء الاول - و إذا الآثار بطبنة سئلت.. بأي ذنب خربت وضيعت نشر بمجلة batna info







تكلمت في العدد الماضي عن الضرورة الحتمية التي يقتضيها الأمر أولا : لبناء هذا المتحف ، والدور الذي سيلعبه في إنقاذ ما يمكن إنقاذه  من هذا الكنز الأثري الضائع و المضيع ، من خلال إنشاء محمية أثرية تجمع بها كل الأحجار الأثرية المرمية هنا وهناك ، والمزين بها مشارف بيوت الناس ، فضلا عن الضرورة القصوى للقيام بالمسح الأثري على كامل منطقة بريكة وضواحيها ، بغية تفادي انجاز المشاريع فوق هذا الإرث الإسلامي ، أما الأمر الثاني : فهو التنقيب عن الوجه الآخر للمدينة ، حتى يتسنى لهذا الجيل التعرف على تاريخه المدفون ، ذاك أن التاريخ ذاكرة الأمة أيها الناس.
وان كنت بادئا بسرد حكاية طبنة ، وهي حكاية ممزوجة بين التألق أحيانا  و التراجع حينا ،  فلسوف ابدأ بما لا يمكن  لعاقل  أن يمر عليه مرور الكرام ، بما استوقفني عليه الأستاذ والباحث في تاريخ المنطقة سليمان قراوي من صور فوتوغرافية ، أكتفي بثلاث منها ، لآلة الحفر وهي تنهش بطن هذا الإرث الحضاري ، لتخرج ما به من أحجار وفخار وغيرهما ، ولتكشف عن الوجه الآخر للمدينة وما يحمله من أسرار ، و لكأني بهذا الوجه يستصرخ المعني بالأمر " أن انفض غبارك عني " . 

موقع هذه الصورة  بضواحي حي 300 مسكن ، لمواطن كان بصدد تهيئة أرضيته للبناء.فكان ما كان .و أما الصورة الثانية فهي تبين مدى اهتمام القائمين على الآثار ، لا أقول بآثارهم ، لأنه لو كانت لهم ما كان ليحدث لها هذا الذي يرى و أكثر . إن الأرض بمنطقة بريكة ملئ بالكثير من مثيلات هذه الصور، التي تفضح المشاريع المنجزة فوق هذه الآثار ، والتي لا يسمح بها مجنون فكيف بمسؤول .ولا عرف فكيف بقانون . ونحن هنا ، إذ نحاول نقل هذا التاريخ ، فإننا ننقله من مصادره وكلنا حذر ، لا لشيء إلا لإزالة الغبش الذي يكتنف تاريخ هذه المنطقة .
و أما حكاية هذه المدينة التي بنيت في أواخر القرن الثاني للميلاد، حيث  ورد اسمها لأول مرة في العصور القديمة تحت اسم thubunae حين كانت المدينة منشأة عسكرية رومانية ، حيث ورد اسمها  في النصوص القديمة عند بلينوس الاكبرplien l'ancien  في مؤلفه التاريخي الطبيعي l'hestoire naturelle تحت اسم  Tuben  oppidum  والكلمة الاخيرة تعني المدينة العمرانية المحصنة.
أسست هذه المدينة على بعد 4 كم جنوب شرق بريكة الحالية لاهمية الموقع الذي أسست عليه ، في  الطريق الرابط بين الصحراء جنوبا وسهول التل المرتفعة شمالا ، لذا شيد حصن طبنة tubuna بهدف حماية المستعمرات الافريقية في المناطق التلية الشمالية من غارات القبائل الصحراوية ، ومنذ عهد الامبراطور سيبتيم سيفيروس septime severes   193-211م جعلوها ملحقة    municipium لروما أي خاضعة لها تتمتع بكل حقوق المدينة الرومانية ،وتحكم في نفس الوقت وفق قوانينها الخاصة . وهنا تظهر اهمية هذه المدينة.
ولما ال حكم بلاد المغرب الى البيزنطيين بنو بها قلعة واسعة جعلوها عاصمة لمقاطعة يحكمها موظف يلقب ( (roefictusç limitum .
وعند بداية العهد الإسلامي  ، لم ترد في المصادر بشأنها معلومات تمكن المؤرخين من تتبع التطور الذي حدث بها أثناء عملية الفتح وخلال العهد الأموي كله ، مما جعل بعضهم مثل  giomarçais يفترض أنها من بين القلاع البيزنطية البربرية التي قد هدمت في عهد الكاهنة ، و البعض الاخر مثل G-yver يفترض انها احد المراكب التي تحصنت بها المقاومة البيزنطية البربرية .
 غير أن طبنة أخذت تلعب دورا بارزا في تاريخ المغرب الاسلامي منذ بداية عهد العباسيين ، حيث أن واليهم الأول على افريقية محمد بن الأشعث الخزاعي  عين عاملا له بها ، و هو الأغلب بن سالم التميمي ، ومنذ ذلك الوقت بدأت  المصادر التاريخية بالتواتر على هذه المدينة المهجورة .
توصف طبنة بعاصمة الزاب الذي يمتد إلى حوالي 200كم شرق مدينة بسكرة الحالية  وغربها ، إلى حوالي 50 أو 60كم في اتجاهي الشمال الجنوبي ، ــ وهنا انوه إلى الخطأ الذي صدر منا في العدد الماضي حين ذكرنا بان مساحتها 200كم مربع ــ ، وفي هذا الإطار صارت طبنة تمثل بالنسبة لولاة افريقية الجسر الذي يتم عن طريقه العبور من المنطقة التي يسيطرون عليها بالفعل إلى المناطق التي كانت مسرحا للاظطرابات والثورات الخارجية .

ولاشك ان مهمة الأغلب بن سالم بطينة كانت تتمثل في الإحالة دون وصول المد الخارجي إلى عاصمة ولاية افريقية ، وعندما ثار بالقيروان جماعة من قواد مصر بقيادة عيسى بن موسى الخرساني ، واجبروا واليها بن الأشعث على مغادرتها في ربيع الأول سنة 148هـ بعث الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور إلى عامل الزاب الاغلب بن سالم ، فانتقل الى القيروان في جمادي الآخرة ، أوت /سبتمبر ، من نفس السنة حيث اشتغل بالقضاء ، فيها على الاضطرابات والفتن وهنا انتهز الخوارج الصفرية ، فرصة غيابه عن طبنة ، وتجمعوا بنواحي تلمسان وبايعوا عمهم أباقرة اليفريني بالخلافة ، فزحف على رأسهم إلى أن وصل إلى السهول الممتدة شرق منطقة الزاب ، لكنه لم يتنظر جيش الاغلب بن سالم عندما خرج يتصدى له ، بل انسحب الى نواحي طنجة واظطر القائد العباسي ان يعود هو الاخر الى القيروان بسبب الاظطرابات التي احدثها في صفوف جيش حسن بن حرب الكندي ، ولم تهدأ الاوضاع الا بعد ما قتل الاغلب بن سالم سنة 150هـ ، بعد إذ  ولى الخليفة المنصور على افريقية عمر بن حفصة هزا مرد غبا ، وهي كلمة فارسية تعني الف رجل كناية شجاعته،  فوصلها في شهر رمضان من ستة 151 هـ فبراير/ مارس ، وتمكن من السيطرة على الأوضاع بها ، وبعد ثلاث سنوات أي في 154 هـ اناب عنه في القيروان حبيب  بن حبيب المهلبي ، و ارتحل الى طبنة.
 وقد اختلف المؤرخون في تحديد هدف مهمته بها ، فبعضهم مثل ( ابن الاثير ) يذكر انه خرج لبناء مدينة طبنة ، والبعض  الاخر مثل (السلاوي ) يذكر انه ذهب لادراة السور حولها،  ولكنهم يتفقون على ان خٌلوَ افريقية من الجند الذين اصطحبوا عمر في مهمته شجع البُريد على الثورة ، فلما خرج نائبه لاخضاعها هزمو جيشه وقتلوه وانتشرت  الفتنة شرق عاصمة الولاية وغربها ، ومن ذلك ان اباضيي طرابلس الذين خفتت اصواتهم بعد انتصار بن الاشعث عليهم ، وجدو الفرصة سانحة لهم فولوا عليهم ابا حاتم الاباضي سنة 154هـ ،وسيطروا على الاوضاع هناك رغم الامتداد، و الامدادات التي تلقاها عاملها الجنيد بن الاسدي من ابن حفصي ، وراحوا يحاصرون القيروان في وقت  تعرضت فيه طبنة نفسها لحصار اخر شارك فيه 12 عشر جيشا من الخوارج   الصفرية و الاباضية ، من بينها جيش ابا قرة اليفريني او الميغلي نحو 40 الف من الصفرية ، وقد سبق لأبي قرة هذا ان فر امام جيش الاغلب بن سالم الى طنجة ثم عاد بعدها الى تلمسان ، لكنه لم ينشط الافي حصار طبنة ، ولابعاد خطره قبل فوات الاوان ، عمد عمر الى ارسال من يعرض على ابي قرة 40الف درهم واثواب مقابل انسحابه ،  فلما رفض الزعيم الصفري ذلك العرض،

قصد المبعوث اخاه ابى النور واقنعه ان يعمل على صرف شقيقة مقابل 400الف درهم وثياب ،  ونفذ ابو النور الاتفاق بانسحابه اثناء الليل باكثر الجنود واظطر شقيقه الى اللحاق به.
بعد ذلك استخلف عمر على طبنة المهنأ بن المخارق الطائي وتوجه الى القيروان التي كانت تعاني من حصار ابي حاتم منذ 8 اشهر ، وعاد ابو قرة مرة اخرى الى حصار طبنة في غياب ابن حفص ، لكن المهنأ هزمه هذه المرة واختفت بعدها اخباره من مسرح احداث المغرب السياسية ، وقد ذكر المؤرخون الذين تناولوا الحديث عن هذا الموضوع تفاصيل منها : ان هذه الجيوش الاثنا عشر توجهت الى الزاب واحاطت بطبنة ،  وانه كان على راس كل جيش قائد او رئيس ،  من بينهم ابو قرة الصفري وعبد الرحمن بن رستم الاباضي وابو حاتم وعاصم السدراتي الاباضي والمنصور الزناتي الاباضي وعبد الملك بن سكر الصنهاجي وغيرهم ، ثم قالوا انه بعد انسحاب ابي قرة من الحصار ، وجه بن حفصي قائد معمر بن عيسى في 1500 جندي الى بن رستم الذي كان بتاهودة  على راس 15الف  من اصحابه ، فهزمهم وقتل منهم 300 وانسحب الباقي الى تاهرت ، وضعف امر الاباضية عن مقاومة بن حفصي فساروا من طبنة الى القيروان ، ثم استخلف عمر على طبنة المهنأ بن المخارق الطائي ، وقصد القيروان ب700 فارس ، ليخلصها من ابي حاتم الذي استمر يحاصره لمدة 8 أشهر .
عند غربلتها يستنتج ان الجيش الوحيد الذي حاصر بن حفصي بطبنة هو جيش ابي قرة الصفري ، وهو ما جعل بن حفصي يحرص على ابعاده من الطريق .
      يتبع ......

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير مدونة الفوتوشوب للعرب
طبنة تصرخ فهل من مغيث © 2010 | عودة الى الاعلى
Designed by Chica Blogger